الجمعة، 30 مارس 2012

المسؤولية المدنية أقسامها وتطورها

إذا ما أصيب شخص بضرر مادي في جسمه أو ماله، أو معنوي في شعوره، يثار التساؤل حول من يتحمل المسؤولية، هل يتحملها هو، أم يتحملها الغير فيطالبه بالتعويض.
وحدها المسؤولية المدنية هي الكفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، وتحديد الشروط الواجب توافرها لقيام مسؤولية الغير.
وقد تطورت هذ المسؤولية عبر مراحل تاريخية، وتنقسم إلى قسمين: المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية.
المطلب الأول: تطور المسؤولية المدنية.
إن ما وصلت إليه المسؤولية المدنية من تطور في الوقت الحاضر في مختلف الأنظمة القانونية المعاصرة لم يأت دفعة واحدة بل ترسخ عبر مراحل تاريخية متتالية.
تميزت المرحلة الأولى بارتباط المسؤولية المدنية بالمسؤولية الجنائية واختلاطهما، فكان جزاء الفعل الضار متروكا للمضرور يثأر بنفسه ممن أوقع به الضرر دون ضوابط الثأر، مما يؤدي إلى نزاع بين العشائر، فساد في القانون الروماني مبدأ العين بالعين، والأنف بالأنف.
وفي مرحلة ثانية كانت المسؤولية المدنية لا تترتب إلا على الأفعال الضارة المنصوص عليها في القانون، دون النظر فيما إذا كانت تتضمن خطأ من جانب مرتكبيها أم لا.
وفي مرحلة ثالثة: تأكد اعتبار الخطأ أساسا للمسؤولية، بحيث لا يعتبر الفعل الضار سببا في مسؤولية مرتكبيه إلا أذا أمكن وصفه بأنه خطأ من جانب المسؤول.
وفي المرحلة الرابعة: تبين عدم كفاية الخطا كمعيار وضابط للمسؤولية المدنية خصوصا بعد انتشار استعمال الآلات، وكثرة مخاطرها وتعذر تحديد مصدر الخطأ بين مالكها وصانعها ومستخدمها.
فظهر اتجاهان فقهيان:
الاتجاه الأول: ويرى أصحابه أن من تسبب في الضرر بنشاط يجني ثماره فيجب أن يتحمل تبعته بغض النظر عن وجود الخطأ، بناء على قاعدة الغرم بالغنم، وأن أساس المسؤولية هو تحمل التبعة، فنادوا بالتحول من فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية إلى فكرة الخطر "Risque".
الاتجاه الثاني: وأصحابه يتشبثون بفكرة الخطأ كأساس للمسؤولية ويعارضون الاتجاه الأول، ويرون أن فكرة تحمل التبعة تضع عوائق للإنتاج والنشاط الاقتصادي خوفا من المسؤولية، وهذا يشل روح المبادرة ويضع عقبات في سبيل النمو والتقدم.
والقانون المغربي يقوم على اعتبار الخطأ أساسا للمسؤولية، وإن كان قد افترض خطأ المسؤول عن فعل الغير، وفي المسؤولية عن الحيوان والأشياء.
المطلب الثاني: أقسام المسؤولية المدنية.
المسؤولية المدنية هي جزاء الإخلال بالتزام سابق يترتب عنها تعويض عن الضرر الناجم عن إخلال المسؤول بهذا الالتزام.
فإذا كان مصدر هذا الالتزام الإرادة، فالمسؤولية المتولدة عنه عقدية، وإذا كان مصدره القانون فالمسؤولية المتولدة عنه تقصيرية.
وعلى الرغم من مناصرة فريق من الفقهاء لوحدة المسؤولية المدنية، إلا أن معظم التشريعات المعاصرة أخذت بازدواجية المسؤولية، فجلعت من المسؤولية التقصيرية مصدرا للالتزام، واعتبرت المسؤولية العقدية أثرا من آثار العقد الذي تم الإخلال به.
فالمسؤوليتان تختلفان معا في المفهوم وفي الفوارق التي تميزهما.
البند الأول: المسؤولية العقدية.
المسؤولية العقدية هي التي تترتب على عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد على وجه المتفق عليه. كمسؤولية المقاول عن التأخر في إقامة البناء الذي تعهد ببنائه عن الميعاد المتفق عليه، أو مسؤولية البائع عن عدم نقل ملكية المبيع إلى المشتري إذا كان يتصرف فيه بعد البيع.
والعقد شريعة المتعاقدين، وعدم الوفاء به يستوجب تعويض، وهذا ما عبر عنه المشرع في الفصل 263 (ق.ل.ع): " يستحق التعويض إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام، وإما بسبب التأخر في الوفاء، وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين ".
البند الثاني: المسؤولية التقصيرية.
المسؤولية التقصيرية هي التي تنشأ عن الإخلال بالواجبات التي يفرضها القانون، كضرورة إحترام حقوق الجوار، وكمسؤولية سائق السيارة الذي يقودها دون حيطة فيصيب إنسانا او يتلف مالا، وكاشتراط القانون عدم الإضرار بالغير، وكل من تسبب في وقوع هذا الضرر إلا ويلزم بأداء التعويض للطرف المضرور.
وقد قرر المشرع المغربي هذه القاعدة في الفصل 77 (ق.ل.ع): " كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضررا ماديا او معنويا للغير التزم مرتكبيه بتعويض هذا الضرر ".
البند الثالث: مميزاتهما.
تنتج عن التفريق بين المسؤوليتين فروق كثيرة أهمها:

أولا: التضامن.
لا تضامن في المسؤولية العقدية، إلا إذا اتجهت إليه إرادة المتعاقدين صراحة، وقد أكد المشرع هذه القاعدة في الفصل 164 (ق.ل.ع) الذي جاء فيه: " التضامن بين المدينين لا يفترض، ويلزم أن ينتج صراحة عن السند المنشئ للالتزام أو عن القانون، أو أن يكون النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة ".
وفي المسؤولية التقصيرية فإن التضامن ثابت بحكم القانون في حالة تعدد المسؤولين.
ثانيا: الإعفاء الاتفاقي من المسؤولية.
في المسؤولية العقدية يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية أو التخفيف منها، ولايمكن الاتفاق مسبقا على مخالفة قواعد المسؤولية التقصيرية لأن لها علاقة بالنظام العام.
ثالثا: التقادم.
تتقادم دعوى المسؤولية العقدية - كمبدأ عام - بمضي 15 سنة، فيما عدا الاستثناءات الوارد عليها نص خاص، وتتقادم دعوى المسؤولية التقصيرية بمضي 5 سنوات من يوم العلم بالضرر، وفي جميع الأحوال بمضي 20 سنة، (م106 ق.ل.ع).
رابعا: الجمع والخيرة بين المسؤولية العقدية والتقصيرية.
يطرح هذا الإشكال في الحالات التي يتولد فيها عن الفعل الواحد دعويان، إحداهما عقدية، والثانية تقصيرية، كالأضرار الناجمة عن الاخطاء التي تسبب فيها أرباب المهن الحرة كالأطباء والمحامين والموثقين.
المسألة الأولى: الجمع بين المسؤوليتين.
الاتجاه الغالب في الفقه والقضاء يذهب إلى عدم جواز رفع دعويين، والجمع بين تعويضين عن ضرر واحد.
المسألة الثانية: الخيرة بين المسؤوليتين وفيها اتجاهان.
الاتجاه الأول: أنصار فكرة الخيار.
ولايرون مانعا في تنقل المضرور بين الدعويين العقدية والتقصيرية، على ألا يكون القصد من ذلك الجمع بين تعويضين من أجل ضرر واحد، وينطلق هؤلاء من ضرورة حماية الطرف الضعيف وهو المضرور، وذلك بمنحه أكثر الحظوظ لاستحقاق التعويض خصوصا في الحالات التي يظهر له فيها بأن أحد الدعويين قد سقطت بالتقادم، او أن حجم التعويض المستحق فيها سيكون ضئيلا.


الاتجاه الثاني: خصوم فكرة الخيار.
وينطلقون من أن المسؤولية التقصيرية لا يلتجأ إليها إلا في غياب العقد، والمسؤولية العقدية تتربت عن إخلال بالتزام العقد، والعقد شريعة المتعاقدين. وكل مساس بقواعد المسؤولية العقدية يترتب عنها المساس بمبدأ سلطان الإرادة الذي هو أصل التراضي في ميدان العقود. والقضاء المغربي يميل إلى رفض الخيار بين المسؤوليتين.